تقول الحكمة الشائعة إن من أعمق الظلمات ينطلق النور. هذا في كل الدنيا، ولكن في دنيانا العربية نلاحظ ان من أعمق الظلمات تنطلق الفكاهات. وهذا ما نجده يحصل في العراق الآن. في كل العالم يقيسون الحالة الاقتصادية بمعدلات الدخل الوطني أو مستوى الاجور أو البطالة. قبل سنوات كانت مجلة الايكونومست تقيس المستويات الاقتصادية بسعر ساندويشة مكدونالد. في العراق الان يجري قياس السوق بمعدلات سعر المخطوفين. ويسرني ان اقول ان انخفاضا محسوسا قد جرى تسجيله مؤخرا. كان الخاطفون لا يرضون بأقل من مائة الف دولار للافراج عن المخطوف. ثم نزل المعدل الى خمسين الفا. وسمعت قبل ايام عن رجل مسكين اطلقوا سراحه بسبعة آلاف فقط.
ولكن من آخر ما وردني في هذا الشأن ان الخاطفين اتصلوا برجل وطلبوا منه مائة الف دولار لاطلاق سراح ابنه، قال لهم انه ليس لديه ابن وامرأته عاقر. تبين ان من خطفوه كان ابن البستانجي (الجنايني)، وهو مفلس اسقط في يدهم فطالبوا بخمسائة دولار فقط ثمن الاكل الذي أكله. وهكذا هبط سعر الخطف الى خمسمائة دولار. واذا انخفض الى اقل من ذلك فسيجد الخاطفون من الأوفق لهم ان يشتغلوا حمالين في السوق. وعندئذ تزول ظاهرة الخطف من العراق، وهو الامل الوحيد لازالتها في رأيي.
يتهم الكثيرون العراقيين بأنهم قليلو الايمان ولا يصلون ولا يصومون رمضان، هذا افتراء محض. فحتى الحرامية في العراق متمسكون بالدين. تسمع الحرامي عندما يتسلق الجدار ليسطو على احد البيوت ويقول: «يا الله يا ساتر» وسمعت مؤخرا انهم نزلوا على بيت امرأة جاءها ابنها من امريكا. قالوا لها هات ما اعطاك من دولارات. فأخرجت لهم مبلغ ثلاثمائة دولار. قالوا لها هات البقية. يعني ابنك يجي من امريكا وكل ما يعطيك ثلاثمائة دولار؟ يا الله طلعي. اكدت لهم ان هذا كل ما تسلمته منه. نظروا في وجهها متشككين ثم قال لها اكبرهم: عندك قرآن في البيت؟ قالت نعم، قال هات به فاحضرته. قال لها حطي يدك على كلام الله واحلفي والله العظيم هذا كل اللي عندي من دولارات. ومن تقوى الخاطفين ومخافة الله ان رئيسهم ثار على جماعته ونزل ضربا بهم لأنهم عذبوا المخطوف قبل الافطار. قال لهم ما تخافون من ربكم؟ الرجل صايم وتعذبوه، قبل ما يفطر.
بالاضافة للتقوى، تجد ايضا هذا التمسك بشيم الكرم والضيافة العراقية الاصيلة. اطلقوا سراح احد المخطوفين بعد تسلم ثمنه. خرج من عش الخطف ورأى سيارة تكسي أمامه فأخذها لتنقله الى بيته. ولدى وصوله اخرج من جيبه شيئا ليدفع للسائق. فاشمأز السائق وأبى مستنكرا. قال للرجل، يا عيب الشوم! آخذ أجرة منك وأنت كنت ضيفنا؟
{ الخيال}