مأرب متحف بلا سور وبلقيس شابة عمرها 6 آلاف سنة جاسم عباس- القبس الكويتية
بعد مائة كيلومتر الى الشرق من صنعاء، وعلى ارتفاع 3900 قدم فوق سطح البحر، وفي زمن ساعتين ونصف الساعة تقريبا وصلنا الى مأرب، منطقة ما زالت مدينة غنية بالثروة السياحية التاريخية الأثرية، وفي المكان العديد من البقايا الأثرية من القرن الخامس قبل الميلاد، وهي مصدر ومورد مالي لليمن، بلد حباه الله سبحانه وتعالى بأروع المزايا التاريخية، ويعتبر من أكثر الاماكن جذبا.
الدليل السياحي الاستاذ احمد ناصر بخيت الذي اصطحبني قال: مأرب اسم مركب من 'ماء' و'راب' بمعنى 'الماء الكثير' او 'السيل الكثير'، والآراميون ينطقون الكلمة تحت اسم 'ماريوبا' او 'مريابا' بالمعنى نفسه 'ماء وراب'.
وقال: اول من شيد مدينة 'مأرب' هو سبأ بن يشجب من يعرب بن قحطان واقام ثلاثة قصور اشهرها قصر سلحين الذي كان مقر اقامة الملك.
واكد الدليل السياحي ان الذي قام ببناء حائط دفاعي حول مدينة مأرب هو 'سمهو عالي ينوف' من القرن الخامس قبل الميلاد، و'كرب وتر' اضاف بعض الاجزاء عليه وشيد بوابتين وبعض الابراج في القرن السابع.
واضاف: ان ما يوجد في مأرب مكان يعرف ب'محرم بلقيس' احد واشهر معابدها وبقي منه ثمانية اعمدة في صف واحد، وكذلك اهم احد الآثار هو 'سد مأرب' الشهير الذي يرجح ان منفذه وصاحب فكرته هو 'سمهو ينوف' الذي بنى السور العظيم للري بمنطقة الحجر، ولتقليل اندفاع مياه السهو التي دمرت المزروعات واتلفت المحاصيل قبل اقامته، ولقد تمت اصلاحات عديدة وترميمات خلال الفترات الزمنية وأخرها في عهد 'أبرهة' ملك سبأ الذي استغرق الاصلاح حوالي ثلاثين سنة، وانهار السد بعد 4 سنوات. ووصف سبحانه وتعالى هذه المنطقة في كتابه الكريم في سورة سبأ: آية ،50 وهذا السد لم يتم بناؤه في عهد ملك واحد، وتدل هندسته على خبرة نادرة، وتقسيم فني، ومهارة فائقة لا تقل عظمة عن اهرامات مصر.
وقال: اليمني مازال يحقق لوطنه هذه المعجزة عندما اعاد هذا المرفق الحيوي المهم وتجديد بنائه، وقد عاش هذا السد اكثر من 1400 سنة من القرن الميلادي، وهو تاريخ انهياره، اثر اجتياح سيل 'العرم' مما ادى الى هجرة اليمنيين الى الشام والعراق.
واضاف: اليمنيون لهم تاريخ تتجلى لنا فيه عظمة الفن والبناء في القصور والسدود والهياكل والأثاث، وهم الذين افترشوا الحرير، واقتنوا آلة الذهب والفضة.
وكل ما اقوله في جولتي هذه ان اليمن السعيد فيه ثمانون سدا وقال شاعرهم:
'وفي البقعة الخضراء من ارض يحصب
ثمانون سدا تقذف الماء سائلا'
ومن السدود المعروفة والمشهورة:سد مأرب - سد أرحب (رجيم) - سد قصعان وربوان، وقتاب، وسد شحران وطمحان، وعاد، وسحر، وذي رعين، وسد نضار وهران، وسيابي، والشعباني، وريعان، والمليكي، والنواشي، والمهباء، والخانف، ولحج، وسد عرايس، وذي شهال، ونقاطة.
أسطورة السدود والمعابدالأساطير العالمية تجدها في مأرب فبعد ان وصلناها اقتنعت أرواحنا واكتحلت عيوننا بالمناظر حيث معبد الملكة 'بلقيس' وعرشها ينسجان حكايا تاريخ عتيق، والملكة لعبت دور البطولة، خصوصا قصتها المشهورة مع سيدنا النبي سليمان، عليه السلام، وبعد ان قطعنا 180 كيلو مترا تعرفنا على المدينة التي تعج بالآثار، نعم إنها اسطورة، وعن اي مرتفع تشاهد المدينة التي ذكرت وضربت لها الامثال منها: 'على نفسها جنت براقش' محاطة بسور، ملكة براقش أسست الدولة المعينية، وجدد السبئيون سورها 450 قبل الميلاد.
وبدأت أحاديث الدليل بخيت تمتزج مع دفء الشمس معبودة القدماء في اليمن، مع استقبال رجال المدينة ومن خلفهم المسلحون من القبائل، ولكن الابتسامات المعبرة، والتحيات الصادقة للكويتيين خاصة، كلما قلنا نحن من الكويت وضعوا أيديهم على رؤوسهم أهلا بكم انتم أفضل علينا بعد الله سبحانه وتعالى.
وعندما وصلنا الى المعبد القديم الذي تحول إلى مسجد، قال بخيت: هذا المعبد يحكي قصة الملكة وعاصمتها مأرب مهد الحضارة السبئية التي كرمت بالذكر في القرآن الكريم، وأشار إلى مسجد من الطراز القديم الفريد في المعمار قائلا: هذا هو المعبد الذي تحول إلى مسجد والآن هو مهجور بكل ما يحتويه من كنوز، وأعمدة المسجد والسقف والحوائط مرمية على الأرض، هجر هذا المكان كله، رغم وجود الخضار على مدى البصر بشكل سجاد معتم.
واخيرا، وما شاهدنا من آثار ومعابد، وعرش بلقيس الملكة الشابة مازالت باقية، عمرها ستة آلاف عام، وهي رمز وطني تاريخي، ولكنها تحتاج الى تحسينات في المرافق لخدمة السياح، وأما الفندق الذي يحمل اسم 'بلقيس' فإنه متواضع تكتشفه ظلمة، وكل ما يقدم من الوجبات والطلبات كأنك في برك ومدافن، ولكن مأرب مدينة تسمى 'متحف بلا سور' آمنة ومستقرة تشرح الحياة، ومخزن كبير للآثار لم يكشف الا اليسير منها.