يصعب علينا تصور حياة زوجية هادئة ومستقرة بعيداً عن وجود تكافؤ جنسي بين الزوجين يقود إلى التمتع بحياة جنسية مشبعة وممتعة. فالجوع الجنسي والكبت وإخفاق أي من الزوجين في الاستجابة إلى نداء الجنس بشكل متكرر سينعكس دون شك على فيزيولجية كلا الزوجين الجسدية، وسيطال بلا ريب الصحة النفسية و العقلية و الملكات الإبداعية لكل منهما. وتراكم مثل هذه التأثيرات سيزعزع مؤسسة الزواج وقد يودي بها تماماً.
ويجب دائماً على كلا الزوجين أن لا يقللا من أهمية الدافع الجنسي وأن ينتهزا الفرص المناسبة لإشاعة جو من المحبة والألفة والإشباع الجنسي لدى الشريك. وملفات المحاكم مليئة بإضبارات الطلاق والفراق المبنية على أساس عدم وجود تكافؤ جنسي أو وجود مشاكل جنسية انبثقت في سرير النوم ثم كبرت وتراكمت إلى أن جعلت أبغض الحلال إلى الله هو المخرج الوحيد من هذه المخمصة المحبطة للجسد وللعقل. ولقد أكدت مشروعية الدافع الجنسي وأهميته وأدواره الفيزيولوجية و النفسية كل الحضارات والأديان ، فهو حافز قوي ، محبب و مغري ويبعث لذة ونشوة في أوصال الجسد المتعطش إليه لا يضاهيها لذة أخرى. ويروى عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أن امرأة جاءته شاكية : إن زوجي يا رسول الله في النهار صائم وفي الليل قائم وقد عنت أن زوجها لا يقربها نهاراً بسبب صيامه ولا ليلاً بسبب صلاته. فأرسل في طلب الزوج وقال له: (( إن لربك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً)). وهذه دعوة صريحة إلى الاعتناء بالشهوة الجنسية لدى الزوجة وإشباعها. وقد وصف نبي الشرق الأقصى المتبتل " بوذا " هذا الدافع وصفاً يشير بوضوح إلى قوته وأهميته حيث قال: (( آه.. إن هذا لمحرق أكثر من النار التي تتلظى ، إن هذه الغريزة تكوي الأجساد وتؤلمها بأكثر مما تكوي أجساد الفيلة بالحديد المحمى)) وهاهو أيضاً أحد رهبان ((مارتن لوثر)) مؤسس المذهب البروتستانتي يبسط اعترافاته حول نفس الموضوع فيقول : ((يرى بعضهم أن الواجب يقضى على المرء أن يحيد عن طريق الشهوة ويتجاهلها، فمثل هذا الإنسان كمثل من ينكر وجود العقل ووجود الطبيعة ، أو ينكر أن النار تحرق وأن الماء يبلل ، وأن الإنسان يأكل ويشرب )).
ولا شك بأن تاريخ الحضارات و الأديان مفعم بالمفاهيم والتعاليم التي تؤكد على احترام الدافع الجنسي وتنظمه عبر تشجيع مؤسسة الزواج وتطبيق كل ما يفيد استمراره ونقاءه.
ولكي يكون الجنس تحت مظلة الحياة الزوجية مشبعاً ومرغوباً ، لا بد من التزود بثقافة جنسية رصينة تعطي كلا الزوجين مفاتيح مفيدة لفهم طبيعة الجنس كدافع غريزي ضروري ، ومفاتيح أخرى لمعرفة عوامل الإثارة الجنسية وكيفية تفعيلها لإنجاح العملية الجنسية. بالإضافة إلى محاولة فهم أطوار الجماع الفيزيولوجية ، ووضعيات الجماع المختلفة بحيث يمكن اجتراح أساليب وطرق للتجديد في وسائل المتعة الجنسية. وذلك لكي يصبح الحب والجنس والتعاون في سرير الزوجية عنواناً لتحويل هذه المتعة من عملية روتينية يفرضها أداء الواجب إلى لذة متجددة منتظرة لم تستنفذ آفاقها من قبل الزوجين بعد. ومن الصعب في هذه العجالة تغطية كل تلك العناوين الكبيرة ، لكن من المفيد الإشارة السريعة إلى بعض عوامل الإثارة الجنسية.
يلعب الانتصاب القضيبي الدور الأساس في العملية الجنسية ، إذ بدونه تفقد الحياة الزوجية عند الزوجين رونقها. وهو شرط لا مفر منه لحدوث الايلاج في مهبل المرأة ، وهو ضروري أيضاً لإثارة المرأة وإيصالها إلى ذروة الرضى و الانتشاء. وأهم شرط من شروط انتصاب القضيب هو وجود المثير الجنسي والرغبة الجنسية ، لكن الانتصاب بحد ذاته عملية شديدة التعقيد تتطلب مشاركة كل من الدماغ و الأعصاب و الأوعية الدموية والهرمونات المناسبة.
ولاشك في أن معرفة الزوجة لبواعث الانتصاب وآلية تكونه وعوامل ضعفه أو انهياره يُمكِّنها من أن تكون فاعلة في العملية الجنسية لا منفعلة بها ومنتظرة حدوثها بحيادية ولا مبالاة.
ويمكن وصف آلة الانتصاب وصفاً تقليدياً يحاكي ما يحدث في جهاز كهربائي ميكانيكي ، فإذا شبهنا جهاز الانتصاب في الرجل بجرس كهربائي ، تكون الخصيتان بمثابة البطارية التي تمد الجهاز بالطاقة اللازمة. و الخصية تشحن جسم الرجل بالتيار الكهربائي الجنسي بما تفرزه من هرمونات(وخاصة هرمونات التستوستيرون) التي تصب في الدم الذي يحملها بدوره إلى كافة أنحاء الجسم ومنها الدماغ الذي تنبع منه الإشارة ببدء حدوث عملية الانتصاب. وهذا المثير قد يكون امرأة جميلة أو تخيلات جنسية محفزة. فإذا توفر المثير فهو الذي ينبه الدماغ لكبس زر الجرس أي لحدوث الانتصاب. وتُنْقَل إشارة الإثارة الجنسية من الدماغ إلى الحبل الشوكي حيث تصل أخيراً إلى الصلب في العمود الفقري أي إلى مركز الانتصاب العصبي وهذه النقطة هي منبع الأعصاب التناسلية التي تعطي أوامرها إلى العضو التناسلي الذكري وبالتالي تدفع بعملية الانتصاب للوصول إلى كمالها.
ويتم ذلك من خلال قدرة هذه الأعصاب على زيادة معدل جريان الدم إلى الأجسام الكهفية في القضيب فتمتلئ الأوعية الدموية والجيوب الدموية في القضيب بالدم فتحول العضو من حالته الرخوة المستكينة إلى حالة منتفضة وقاسية.لهذا تعد الإثارة الجنسية المناسبة هي قادح الزناد لحدوث الانتصاب وبالتالي بدء العملية الجنسية.
وهناك بعض المواد الكيميائية التي قد تثير قشرة الدماغ فتسهل عملية الانتصاب نذكر على سبيل المثال منها الكحول لاسيما الكميات القليلة منه أما الإفراط في شربه فذو مفعول عكسي إذ يثبط قشرة الدماغ وبالتالي يعرقل عملية حدوث الانتصاب. أما المواد الغذائية و التوابل التي تخرش الأغشية المخاطية للفم مثل الفلفل و الخردل و البصل و الفليفلة الحمراء فلها مفعول مساعد على عملية الانتصاب من خلال وصولها إلى الأغشية المخاطية للإحليل و المثانة و القضيب وقدرتها على زيادة جريان الدم إلى هذه الأعضاء. وهناك أيضاً مواد غذائية أخرى مقوية للباه (أي للنشاط الجنسي) عن طريق تنشيطها المباشر للأعصاب التناسلية وإحداث تهيج فيها يسهل عملية الانتصاب. ومن أمثلة هذه المواد نذكر الكرفس ، الهليون ، البقدونس ، الزنجبيل ، الفانيلا ، والعسل ، الزعفران ، و اليوهمبين الإفريقي و الجنسنغ الصيني وغيرها وقد نفصل في هذا الموضوع في موضع آخر من هذا الملف.
إن لمس الأعضاء التناسلية ومسها وتهييجها بالمداعبة يولد انتصاباً انعكاسيا يحدث عبر أقواس انعكاسية تبدأ بالنهايات العصبية الحسية الموجودة في جلد القضيب وتمر عبر أعصاب واردة إلى مركز الانتصاب القضيبي في الصلب ومنه عبر أعصاب صادرة إلى القضيب نفسه حيث يزداد معدل ورود الدم إليه وبالتالي يحدث الانتصاب.ويتم استخدام هذه الظاهرة لتسريع الانتصاب عند الأشخاص الذين يعانون من عنة حقيقة أو بسبب التقدم بالسن.
وقد ثبت أيضاً أن امتلاء المثانة يضغط على الأعصاب التناسلية التي تمر بجانبها ويهيج أعصاب المثانة نفسها وبالتالي يفضي إلى حدوث انتصاب للقضيب عفوي.وغالباً ما يحدث مثل هذا الانتصاب العفوي في الفجر عندما يصبح النوم غير عميق والجهاز العصبي قابلاً للتنبه و الإثارة بمثيرات تحت عتبوية خفيفة الشدة. وقد يستفيد من هذه الظاهرة الأزواج المسنين فيستغلون فرصة أصبحت نادرة ليظفروا بشيء من اللذة الجنسية.
يجب الإشارة أخيراً إلى وجود عوامل أخرى عديدة تجعل الجنس تحت مظلة الحياة الزوجية متعة تثبت أركان الزواج منها الألفة والمحبة والاحترام المتبادل وفهم الآخر وحاجاته ، ومنها أيضاً عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية تتضافر كلها معاً لتكريس حياة منتجة مفيدة مليئة بالمتعة والسعادة.