أقبل الصيف وبدأت الاستعدادات للترويح عن النفس، و بدأ التخطيط لرسم وجهات سياحية جديدة في عالم رحب، استنفار من جميع أفراد الأسرة، حصر لجميع الاحتياجات، تنظيم لكل الحجوزات، وقبل ذلك ادّخار منذ شهور عدة لتكاليف الرحلة، كم هو جميل هذا التنظيم المقنن، وكم هو حسن أن نخطط بوقت كافي لقضاء إجازتنا الصيفية، والتي يستعد الجميع من خلالها أن يعيشوا أيام سعيدة فتُنسي الآباء هموم العمل والأبناء متاعب الدراسة، ولكن إن المتمعن لتلك السفريات السياحية يجد أننا ننفق خلالها مبالغ طائلة ونأكل من رصيد حساباتنا المخزنة، فنصرفها بلا ندم بل يكاد يكون السفر من الأشياء القليلة التي يبذل فيها المرء المال وهو يرسم على شفتيه الابتسامة كاملة وله حق في ذلك، ألسنا نجمع الأموال من أجل أن تسعدنا وهذه أحد سبل سعادتنا. و لكن لعلي أعرج بكم على سياحة أخرى، و عالم آخر نحلق فيه بارتفاعات منخفضة ونستطلع فيه أمور مهمة، وهي سياحة تستحق أن نسترعيها بعض اهتمامنا، حتى تكتمل كل سعادتنا، فهيّا بنا نحلق في سبيل آخر من سُبل السعادة وطريق آخر من طرق الخير والتي يجب أن نستحضرها ونحن ننفق الأموال الطائلة في سياحتنا الصيفية..
1 - إن أجمل ما نقضي فيه السياحة ما قرناه بطاعة. فيا رعاك الله فكر بأمرك قبل أن تجزم حقائبك، هل قمت بأهم سياحة ربانية واجبة مع القدرة و هي عمرة أو حجة لبلاد الله المحرمة، أو أرويت العين بروضة الرسول عليه وآله أفضل الصلاة و التسليم، فكر بأمرك قبل أن تعقد أمر سفرك، و تذكر حالك قبل أن تعزم على وجهتك وتحدد اتجاهك، فإذ لم تكن أديت من قبل شعيرة العمرة و لم تنعم بالزيارة فهل جعلت طريق سفرك وبداية رحلتك من تلك المناطق أو تمر بتلك البقاع و التي هي أفضل البقاع على الأرض، أسأل كل مجرب، و أسأل كل مسافر، و أقرأ أعظم الرحلات، فلن تجد خلال حديثهم أو سطورهم أجمل من تلك المناطق. فبادر بها أخي الحبيب قبل أن تقترب منك شمس المغيب و أنت لم تملأ العين من أرض الحبيب.
2 - يغيب بعض الآباء بسياحة خاصة منفرد أو مع بعض أصدقائه لينعم برحلته دون أهله، فهل تذكرنا الصغار الذين تركناهم بين الجدران، وهل فكرنا بالشقائق ممن يكابدن من أجلنا أمور الحياة. رتب سفرك مع عائلتك واحتسب ما تنفقه على أهلك في سبيل الله، فهو خير سبيل تنفق فيه الأموال. كما في قوله
:
{ الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة } [الصحيحين].
التتمة..